هيا يا صديقي أحضر ورقة وقلماً , وتعال كي تكتب نعيك !.
أدري انه مطلب شؤم , لكن المغزى منه جد مهم !.
أحد الصالحين كان يجلس في حفرة ويقول
" قال ربِّ ارجعونِ * لعلّي أعملُ صالحاً " ثم ينهض قائلاً لنفسه : ها قد عدت , فأرنا ماذا تفعل ؟!.
إنه يقوم بتمثيل دور المحتضر , القادم على ربه بصحيفة عمله .
والمحتضر يمر على ذهنه حال احتضاره شريط حياته , فيود صادقاً تغيير أحداث
ومواقف , ويأمل في أن يضيف لمشواره إضافات أخرى أكثر قوة وخيرية ونبل.
استطاع الروائي ( غابريل ماركيز ) أن يعبر عن هذا المعنى جلياً بعدما اكتشف إصابته بالمرض اللعين
وشعر بظلال الموت تزحف لتنهي حياته الحافلة فكتب على موقعه على شبكة الانترنت رسالة موجهة إلى قرائه
قال فيها :
آه لو منحني الله قطعة أخرى من الحياة ! لاستمتعت بها - ولو كانت صغيرة - أكثر مما استمتعت بعمري السابق الطويل,
ولنمت أقل , ولاستمتعت بأحلامي أكثر , ولغسلت الأزهار بدموعي , ولكتبت أحقادي كلها على قطع من الثلج ,
وانتظرت طلوع الشمس كي تذيبها , ولأحببت كل البشر.
ولما تركت يوماً واحداً يمضي دون أن أبلغ الناس فيه أنني أحبهم , ولأقنعت كل رجل أنه المفضل عندي.
- كانت هذه قارئي العزيز نصيحة رجل وقف على حافة الموت , يتمنى أن يعود بقدميه للخلف
كي يقتنص قطعة أخرى من الحياة , وما أريده منك الآن أن تبصر بوضوح
أن أمامك قطعة من الحياة تستطيع أن تفعل فيها الكثير.
عندما أطالبك بأن تكتب نعيك أريدك أن تكون أكثر وضوحا لما تريده من حياتك المستقبلية.
أكثر استفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم.
أقل أخطاء وعثرات.
وتصوّر أن أولادك مثلا بعد ثلاثون عاماً سيجلسون لكتابة نعيك , ما الذي تود أن يكتبوه فيه ؟.
هل يكتبوا اسمك فحسب , نظراً لأن حياتك لم يكن فيها ما يميزها ؟.
أم أنهم سيكتبوا في النعي صفة رنانة ( المربي الفاضل , رائد العمل التطوعي , رجل الأعمال الخلوق ).
لا تخرج من الحياة يا صديقي كما دخلتها , صفراً من الإنجاز والتقدير.
أمير الشعراء شوقي يلهب حماستك أن ( كن رجلاً إذا أتوا من بعده يقولون مر .. وهذا الأثر .. ) فأين أثرك الذي يدلل عليك , أين معالم إنجازك , وملامح عظمتك؟.
وا أسفاه على امرء ينظر إلى سنين عمره وقد طوتها الأيام طياً , بلا إنجاز يذكر , او فعلٍ يخلده .
قم الآن قارئي الحبيب وأحضر ورقة بيضاء , وأسأل الله أن يهبك العمر المديد والعمل الصالح , واكتب نعيك بنفسك , وتعهد لذاتك بأن تحقق ما اخترته ليكون عملك الخالد الباقي.
أنظر إلى آخر الطريق , قبل أن تجد السير فيه , وأتح لنفسك الفرصة كي ترى المستقبل ماثلاً بوضوح أمامك, وتذكر دائما قول خالقك " ولتنظر نفسُ ما قدمت لغدٍ "